تاريخ النشر :٢١ يونيو ٢٠١٦
تغطية: لطفي نصر - تصوير: جوزيف
بعد أن ألح كثيرون على الأستاذ أنور عبدالرحمن رئيس التحرير لكي يطرح مشكلة القضاء والتقاضي على أرض البحرين من خلال المجالس الرمضانية، وبعد أن استفحلت وتفاقمت المشكلة وأصبحت تهدد بمخاطر وخيمة تنعكس على المجتمع بالتصدع الذي لا تحمد عقباها.. وقع اختياره على مجلس النائب عبدالرحمن بومجيد ليطرح هذه القضية في مجلسه.. وذلك لعدة أسباب، منها أن النائب عبدالرحمن بومجيد يتميز بالوطنية والوقار، وهو الذي عرف عنه إخلاصه وجديته في طرح قضايا المواطنين من خلال جلسات مجلس النواب، ويعيش في قلب منطقة أم الحصم التي ضربت الرقم القياسي في الاكتظاظ السكاني..
لذا، فلا بدَّ أن تكون نسبة عالية بها ممن يعانون من أزمة الفصل في القضايا.. وأنه تلقى عليه مشاكل الدائرة كلها بحثا لها عن حل بوصفه نائب الدائرة.. كما يؤم مجلسه النواب والمثقفون وأبناء البلد والمكافحون والكادحون والمحامون.. وغيرهم، ولا بدَّ أنهم الأقدر على مناقشة وتفنيد هذه القضية التي لا يجوز السكوت عنها.
وصلنا بصعوبة بالغة إلى مجلسه الكائن في أعماق منطقة أم الحصم التي تفوقت على غيرها في الكثافة السكانية.. كما أنه قد أصبح من باب المستحيلات على أي زائر للمنطقة أن يجد موقفا لسيارته ولو بالصدفة!
أنور عبدالرحمن
يطرح القضية
وعقب وصولنا إلى مجلس النائب عبدالرحمن بومجيد بدأ الاستاذ أنور عبدالرحمن في طرح ملامح القضية على ضوء ما حدثه عنها المواطنون.. وعلى ضوء ما عايشه هو بنفسه داخل مرافق وأجهزة العدل.
قال: إن سرعة الفصل في القضايا هو جزء لا يتجزأ من العدالة نفسها.. وإن تأخير الفصل في القضايا وتكدسها في المحاكم -وهو الحاصل على أرض البحرين فعلا- خطر داهم على المجتمع تتصدع معه بيوت وتنهار أسر، ويضيع معها مستقبل كثيرين، ويتجرع المتقاضون الهوان، وخاصة عندما نعلم أن قضايا قد تأخر الفصل فيها (20) عاما وأكثر.. وأنه لا يلوح في الأفق أمل في الحل وتخفيف معاناة المتقاضين.. حيث اعترف القائمون على العدالة بأنفسهم بأن عدد القضايا أمام محاكم البحرين يزيد بمقدار (5) آلاف قضية في المتوسط سنويا، هذا إضافة إلى أن أكثر من 80 ألف شكوى متداولة في النيابة العامة.. وأن عدد قاعات المحاكم بكل أنواعها وتسمياتها لا تزيد على 73 محكمة.. وأن عدد القضاة قليل جدا بالمقاييس القضائية (168 قاضيا، بينهم 97 بحرينيا فقط).. وأن القضايا المكدسة أو المؤجلة يزيد على (156673) أي بمعدل 932 قضية لكل قاضٍ.
ثم يقول الأستاذ أنور: الإحصائيات في أجهزة القضاء مثيرة للفزع والإحباط.. والمجتمع البحريني يتطور ويتمدد بشكل كبير، بينما مرفق القضاء لا يجاري ذلك.. الأمر الذي يجعل أزمة التقاضي تستفحل وتتورم، وكل ذلك بعيدا عن الأمل في الإصلاح في المدى المنظور (وهناك أسباب كثيرة أخرى باعثة على الفزع لأزمة القضاء والتقاضي غير ما أشرنا إليه، ومنها أن الطابع العام في نظر القضايا هو سهولة التأجيل.. وغموض القوانين.. وتفشي ظاهرة طلب التأجيل من المحامين.. ومن المتقاضين أنفسهم.. وسهولة إجراءات التقاضي.. والأزمة الطاحنة في مجال تنفيذ الأحكام الصادرة.. إلخ.
والآن -يقول الاستاذ أنور للحاضرين بهذا المجلس العامر- ماذا تقولون؟ وما هو رأيكم؟ وأعتقد أنَّنا جميعا لا نقصد غير الإصلاح والتطور والحل وتخفيف معاناة المتقاضين، وأصحاب المناصب والمقاعد الجليلة في سلك القضاء الموقر لهم كل الاحترام والكرامة.. وبكل تأكيد هم كلهم أكثر منا حرصا على الإصلاح وتوفير الحل والعلاج.. وبكل تأكيد فإنّ هذه الأزمة تؤرقهم بدرجة أكبر من معاناة المتقاضين.
النائب عبدالرحمن بومجيد (راعي المجلس): في البداية لا يسعنا إلا أن نرحب بفريق «أخبار الخليج»، وقد عودتنا هذه الجريدة الوطنية اليومية الأولى على أرض البحرين أنها الحريصة دومًا على البحث في أوجه معاناة المواطنين لبلورتها وطرحها على المسؤولين والرأي العام، سعيا لإيجاد الحلول العاجلة لها.. ونشكركم جدا لاختيار طرح هذا الموضوع الشديد الأهمية والحساس جدا من خلال مجلسنا.. كما لا يفوتنا أن نؤكد أن هذه السلطة -السلطة القضائية- هي سلطة مستقلة.. وتعمل بإخلاص مع السلطتين الأخريين على خدمة الوطن وإسعاد الشعب.. وأن هدف تسريع الفصل في القضايا هو هدفنا وهدفهم وهدف الجميع، ذلك لأنّه يترتب عليه خدمة كبرى للمجتمع وللمتقاضين.
وقال: في رأيي أن أزمة الفصل في القضايا واستفحالها تكمن في أن عدد السكان يتزايد والمجتمع يتطور بقوة، بينما جهاز القضاء يتطور ببطء شديد.. وتتفاقم معه ظاهرة البطء في نظر القضايا وتقديم خدمة العدالة وإنصاف أصحاب الحقوق.
وقال بومجيد: عدد المحاكم قليل.. وعدد القضاة قليل.. لقد أصبحت محاكمنا غير مهيأة لنظر هذا الكم الهائل من القضايا التي ترفع سنويا.. حتى أنه أصبح من المستحيلات الوصول إلى مقار المحاكم في المنطقة الدبلوماسية.. الأمر الذي رفع معاناة المتقاضين إلى ذروتها!!
الحكومة تطور.. ولكن
وقال النائب بومجيد: الحكومة تطور.. وتسعى إلى الحل.. ورغم ذلك فإنّ كل ما تنجزه في هذا المجال لا ينفع ولا يشفع.. لجان فض المنازعات.. لجان فض القضايا العقارية.. والأحوال الشخصية وغيرها من اللجان.. مثل هذه اللجان هي الأخرى غارقة الآن في التكدس وتواجه مضاعفة أعداد من يلجأون إليها.. وقلة عدد قضاتها.
وقال بومجيد: الأمل يعلق الآن على قضاة المستقبل الذين يجري إعدادهم، كما أن محكمة التنفيذ أصبحت مقبرة القضاء، وكادت تعلن عدم قدرتها على القيام بمهمتها.
د. بوفرسن يتحدث
ثم تحدث النائب الدكتور علي بوفرسن، قائلا: إن التكدس في عدد القضايا التجارية في حد ذاته مشكلة تتعلق بحياة المواطنين والوضع الاقتصادي على أرض المملكة، ناهيك عن استفحال أعداد القضايا في المحاكم الشرعية، الأمر الذي يزيد الأمور تأزيما.. وأبسط دراسة مقارنة بين ما يحدث بمرفق العدالة في البحرين وكل دول الخليج يؤكد أن أوضاعنا أكثر سوءًا.
لقد كانت لدينا مشكلة في عائلة حول قسمة بيت موروث من الجد، فأدخلونا في تعقيدات لا أول لها ولا آخر.. فكان تقسيم الأسهم وتوزيعها مسألة غير مفهومة وفي منتهى التعقيد.. ويبدو أننا نعاني من نقص في القضاة المتخصصين في توزيع التركات.. والمهم أن قضيتنا هذه استمرت في المحاكم حوالي 20 سنة.
عبدالرحمن الشملان: السؤال للأستاذ عبدالرحمن بومجيد هو: هل أنتم ناقشتم هذه المشكلة في البرلمان؟ هل فكرتم في جعلها قضية للمناقشة العامة؟ أعتقد أنَّه كان يجب على السادة النواب أن يبادروا إلى البحث عن حلول لهذه القضية.. الملاحظ أن هناك قضايا مهمة جدا لا يتصدى لها البرلمان، وهذه مشكلة في حد ذاتها عندما لا يسارع محامي الشعب إلى مثل هذه المشاكل التي تهدد المجتمع بأكمله.
ناصر الأهلي: في مجال إيجارات المساكن.. هناك قانون جديد كان هدفه حل الكثير من المشاكل.. وهناك أنظمة جديدة بسرعة الفصل في المشاكل الإيجارية والعقارية.. ولكن للأسف.. ظهر رواج واستقرار في حل مشاكل الإيجارات في البداية.. ثم عادت المشكلة إلى الزحام والتكدس والتعطيل مع أن الهدف كان السرعة في الحل!!
وقال الأهلي: بيد أن أساس المشكلة هو نقص القضاة.. ونقص الكوادر في سلك القضاء بصفة عامة، ويؤسفني أن أقول إنه رغم كل الحلول التي قدمت لسرعة الحل عادت كما كانت.. وأصبحت المشكلة أشد تأزما.. لجان فيها أقل من عشرة قضاة تنهال عليها آلاف القضايا فماذا تفعل.. وزارة العدل عاجزة جدا عن زيادة الكوادر المطلوبة التي تواجه الزيادة في القضايا الإيجارية.
عبدالرحمن الشملان: الزيادة مطلوبة في عدد القضاة وفي كوادر الأجهزة المعاونة للقضاء.. فزيادة عدد القضاة وحده لا يكفي.
عبدالرحمن بومجيد: هناك خطة لإعداد (55) قاضيا جديدا.. ولكن هذه الخطة تحتاج إلى سنتين على الأقل.. وعندما تأتي لحظة تخرجهم تكون المشكلة قد زادت تأزما.. يعني الأزمة تحتاج إلى حلول وخطط أكبر.
سرعة صدور الأحكام
ليست هي الحل!!
جمال داود: سرعة صدور الأحكام في المحاكم ليست هي الحل.. ما فائدة أن يسرع القاضي في إصدار الحكم ثم ينام الحكم في محكمة وأجهزة التنفيذ؟! أعرف أحكاما صدرت وتأخر تنفيذها 10 سنوات!! حتى أن الحل ليس في الكوادر أو زيادتها.. الحل في الإجراءات.. والهمة.. والرغبة في حل مشاكل الناس!!
وقال: ظاهرة كثرة التأجيلات في المحاكم هي أيضا مشكلة المشاكل.. ذلك لأنّ أسبابها متعددة.. فقد يكون القاضي السبب.. وقد يكون المحامي.. وقد يكون الموظفون الإداريون.. وقد يكون المتقاضي نفسه.. وقد يكون الخبراء أمام المحاكم.. يعني أن هناك أسبابا عديدة لكثرة التأجيل وتعطيل صدور الأحكام في القضايا.
ويقول جمال داود: هناك أيضا مسألة تغيير عناوين المتقاضين.. وهذا يزعج الخبراء كثيرا.. ولذلك تقارير الخبراء تتأخر كثيرا بالشهور والسنين.
وقال: إن قضايا الديون مشكلة.. حيث يشوبها التنوع والتعقيدات والعجز.. والحجز.. وضخامة الديون.. وضآلتها.. وعدم وجاهة الحجز مع المبالغ البسيطة.. إلخ.
أنور عبدالرحمن: هناك مشكلة أخرى أشد خطورة، وهي اختفاء الملفات وبعض المستندات.. وعدم معرفة سبب ومصدر الاختفاء.. المهم أن هذه الظاهرة تعطل الفصل في القضايا.
جعفر الدرازي: لم تعد هناك ملفات ورقية كما كان في الماضي.. كلها أصبحت إلكترونية، ومن الصعب جدا اختفاؤها.. وكادت هذه الظاهرة تختفي!
المشكلة هي أيضا المنع من السفر على ضوء أسباب واهية.. وهي أيضا الحجز على الأرصدة.. والضبط والإحضار.. والحبس.. ولو وضعوا كل الناس في الحبس فهذه مشكلة أخرى.
محمد ميلاد: القضاء البحريني أصبح مرنا وأكثر تحضرا، فالقاضي يقسط المبالغ.. حتى في محاكم التنفيذ تقسط المبالغ.
جعفر الدرازي: لا.. مشكلة المشاكل هي أن المواطن أو المتقاضي.. أصبح من باب المستحيلات أن يتمكن من الوصول إلى المحكمة!!
المهندس سيد مسعود: القضاء منظومة كاملة تختص بكل مناحي الحياة.. والأحكام بالسجن تصدر كل يوم.. والردع لا يتحقق بالسجن.. والداخل إلى السجن مهيأ لتعلم الجريمة في داخله.. لذا يجب البحث عن أحكام غير تقليدية.. لماذا لا تكون العقوبة الخدمة في المرافق العامة.. صحيح أن السجن إصلاح وتهذيب.. لكن الحاصل أنه عندما يدخل المجرم السجن فإنه يخرج منه أشد إجراما.. ثم لماذا عقوبة السجن في الجرائم المرورية؟!!
محمد ميلاد: إذا كانت العقوبة 3 أشهر فأقل فيمكن أن تكون العقوبة مدنية.. وهناك توجه إلى قضاء العقوبة في العمل المدني بالنسبة إلى من تصدر ضدهم أحكام مدتها 6 أشهر.
ويقول: لم تكن هناك إطالة بسبب المحكوم عليهم المعسرين.. بسبب معرفة أملاكه وحالته الآن بسرعة من خلال الحكومة الإلكترونية.
عبدالرحمن بومجيد: لماذا لا تلغى محكمة التنفيذ.
محمد ميلاد: صعب جدا إلغاؤها.. وقاضي التنفيذ يصدر أمر التنفيذ بسهولة.
جمال داود: المواطن أو الشخص الذي يدخل السجن في مخالفات بسيطة خطر داهم، لأنّ هناك احتمالا كبيرا لأنّ يتحول إلى مجرم.
أنور عبدالرحمن: المهم هو أن يتطور جهاز العدالة مع تطور المجتمع.. لأنه ثبت أن جهاز العدالة لا يتماشى مع تحولات المجتمع.
محمد ميلاد: هناك تطوير في جهاز العدالة.. وفي المرحلة المقبلة سيكون هناك تطوير أكبر.. ونحن المحامين نعرف ونتابع.. لكن المهم هو أن يتطور نظام التنفيذ.
ناصر الأهلي: يجب زيادة عدد المحاكم.. وإنشاء فروع للمحاكم في كل المحافظات حتى لا تضيع العدالة.
أنور عبدالرحمن: لازم النيابة «تغربل» الشكاوى وتحفظ البلاغات البسيطة التي لا يجوز تحويلها إلى القضاء..
محمد ميلاد: هذا هو ما تفعله النيابة العامة فعلا.. ولا تحيل إلى القضاء إلا ما يستحق الإحالة.. كما أن القاضي نفسه في كثير من الأحيان لا يرى وجها لنظر الدعوى أو الاستمرار في نظرها.
جمال داود: لنكن صرحاء مع أنفسنا، القضاء لا يتوسع بقدر توسع المجتمع.. لا بد من خطط خمسية وعشرية لجهاز القضاء.. ولا بد أن ينقل القضاء فورا من المنطقة الدبلوماسية.. ولا بد من التوسع في أي لجان قضائية لنظر القضايا البسيطة.. ووقف توجهات شركات الاتصالات التي تحيل زبائن إلى التقاضي على 10 دنانير و20 دينارا!!
رسوم التقاضي
أنور عبدالرحمن: البعض يرى أن ضآلة الرسوم القضائية من أسباب سهولة وكثرة رفع القضايا.
محمد ميلاد: بالعكس.. المحاكم الشرعية الرسوم فيها رمزية جدا (4.5 دنانير) ورغم ذلك تشهد أقل نسبة في رفع القضايا..
جمال داود: في كثير من الأحيان تكون القضايا كيدية.
أحد الأزواج رفع قضية طلاق على زوجته مدعيا أنها قد رقصت في فرح، في الوقت الذي عجز فيه عن تقديم الدليل على ما يدعيه.. وفي نفس الوقت قالت الزوجة للزوج أمام المحكمة: «هات لي دليلا على أن الرقص حرام».. وعندما عجز الزوج عن تقديم الدليل.. ولم يتمكن من إثبات أن الرقص حرام حكمت المحكمة برفض دعوى الطلاق لكيدية الادعاء!!
أنور عبدالرحمن: يقال إن هناك توجها لزيادة رسوم التقاضي.. حيث تقدم وزير العدل بخمسة مشروعات قرارات إلى مجلس الوزراء، وهناك احتمال أن يكون بينها زيادة رسوم التقاضي.
محمد ميلاد: ورسوم القضايا لن ترتفع.. كما أن الرسوم القضائية منخفضة في البحرين، فيما عدا المطالبات المالية.. حيث يؤخذ بنظام النسبة من المبالغ المطالب بها.. وحتى النسبة منخفضة.. وهناك سقف للرسوم مهما زاد المبلغ المطالب به.